إذا كانت الأمم والشعوب على اختلافها تعني بتراثها المخطوط، فإنه من واجبنا نحن المسلمين أن نكون أكثر منها عناية ورعاية واهتماما به، نظرا لتراثنا الهائل الموجود عبر العالم، هذا التراث الذي يمثل صلتنا بماضينا وحضارتنا وأمجادنا الغابرة. ونحن اليوم أكثر من أي يوم مضى بحاجة إلى الاعتزاز بهذا التراث وتجديد ثقافتنا من خلاله والانتماء إلى الذات مع الانفتاح على العصر. ومن هنا تأتي ضرورة نفض الغبار عن تراثنا المخطوط وحفظه وتنظيمه وفهرسته والتعريف به وتوجيه الأجيال للتمسك به. فثقافتنا الإسلامية ثقافة كبرى في تاريخ البشرية تؤهلنا لأداء دور جديد في هذا التاريخ الحاضر ووضع فكر إنساني جديد.
إن الاهتمام بالمخطوطات ـ خاصة النادرة منها ـ هو حفاظ على الهوية من الضياع والذوبان في هوية الآخرين، فالتراث المخطوط الذي يحوي مؤلفات علمائنا السابقين وإبداعاتهم و عطاءاتهم الفكرية في جميع مجالات العلوم والآداب والفنون يمثل رصيدا معرفيا ذا أهمية بالغة، إضافة إلى كونه هوية حضارية عالمية شاركت في إنتاجها وإثرائها أديان متعددة وشعوب مختلفة وجغرافيا واسعة وتاريخ ممتد.وتكمن أصالته وقيمته –أقصد التراث – في عالميته وانفتاحه على الحضارات السابقة، حيث لم يكتف علماؤنا الأوائل بفهم علوم الأمم الأخرى عن طريق الترجمة فقط، وإنّما هضموا ما فهموه وتمثلّوه جيّدا وبلغوا فيه من العمق أن صححّوا كثيرا من أوهام علماء الأمم السابقين، وطوّروا هذه العلوم وأتوا بجديد أضافوه إليها طيلة تسعة قرون كاملة، إضافة إلى علوم أخرى كانوا هم السبّاقون في طرق أبوابها واكتشافها. لكن وفي المقابل فقد اعتبروا في أوروبا أنّ علوم القرنين السادس عشر والسابع عشر هي المقياس الذي تقاس به كلّ العلوم ولم يكونوا يعرفوا بأنّ تلك العلوم اعتمدت على علوم الحضارة الإسلامية، وذهبوا إلى أبعد من ذلك بأن اعتبروا تلك العلوم ثورة في التاريخ، وأنّها بدأت من الصفر أي أنها اعتمدت فقط على العلم الأوروبي المكتوب باللاتينية وكأن علما لم يسبقه وقد سادت تلك النظرة نتيجة لجهل أوروبا أو تجاهلها للعلوم الإسلامية التي قطعت أشواطا متقدمة جدا في الاكتشافات الجديدة وأكبر دليل على ذلك موجود في مخطوطاتنا الإسلامية وخاصة-النادرة منها.
الكلمات المفتاحية: المخطوطات ـ النادرة ـ الأكاذيب ـ الأدلة