إنَّ عِلْمَ الحَدِيثِ النَّبَويِّ مِنْ أَشْرَفِ العُلُومِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْراً، وأَكْمَلِهَا شَرَفاً وذُخْراً، وقَدْ هَيَّأ اللهُ تَعَالَى لِسُنَّةِ رَسُولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَئِمَّةً أَعْلاَماً ، وهُدَاةً كِرَاماً، نَضَّرَ اللهُ وُجُوهَهُم بالبَلاَغِ عَنْ نَبِيِّه ، والذَّبِّ عَنْ سُنَّتهِ ، والحِفْظِ لِدِينهِ، فَبَذَلُوا أَوْقَاتَهُم ، وأَتْعَبُوا أَجْسَادَهُم ، وبَالَغُوا أَيُّما مُبَالَغَةٍ في التَّفْتِيشِ والنَّقْدِ والتَّمْحِيصِ ، فَكَانُوا بِحَقٍّ الأَئِمَّةَ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهم في الدِّينِ كُلُ مَنْ اقْتَدَا، فَجَزَاهُم اللهُ عَنِ الإسْلاَمِ والـمُسْلِمِينَ خَيْرَ الجَزَاءِ ، وَجَمَعَنا بِهم في مُسْتَقَرِّ رَحْمَتهِ. ويَتَعَلَّقُ هَذَا الجُزْءُ الحَدِيثيِّ بأَحَادِيثَ يَرْوِيها بِسَنَدِه أَمِيرُ الـمُؤْمِنِينَ الـمُسْتَعْصِمُ باللهِ العبَّاسِيِّ آخِرُ خُلَفَاءِ بَنِي العبَّاسِ، وَهُو الأَثَرُ الوَحِيدُ الَّذِي بَقِيَ لَهُ، تَخْرِيجُ أُسْتَاذِ دَارِ الخِلاَفةِ العَبَّاسيِّةِ الْعَلامَةِ الفَقِيهِ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بنِ الإمَامِ العَلاَّمةِ أَبي الفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الْجَوْزِيِّ الْبَغْدَادِيِّ الْحَنْبَلِيِّ ، وَهُمَا اللَّذَانِ قُتِلاَ صَبْراً في وَقْتٍ وَاحِدٍ وفي مَكَانٍ وَاحِدٍ في وَقْعَةِ التَّتَارِ الـمَشْؤُمةِ عَلَى بَغْدَادَ سَنَةَ (656) ، وَهِيَ الوَقْعَةُ الَّتي لَم يَقَعْ فِي الْإِسْلَامِ بَلْ وَلَا فِي غَيْرِه مِثْلَهَا . وقَدَّمْتُ الجُزْءَ بِمُقَدِّمةٍ مُنَاسِبةٍ تَتَعلَّقُ بِدِرَاسَةٍ عَن الخَلِيفَةِ الـمُسْتَعْصِمِ باللهِ، ثُمَّ عَنِ العَلاَّمةِ مُحْيِي الدِّينِ بنِ الجَوْزيِّ، ثُمَّ تَكَلَّمْتُ عَنْ هَذا الجُزْءِ الـمُبَارَكِ مِنْ حَيْثُ أَهِمِّيتُهُ، وصِحَّةُ نِسْبَتهِ إلى الـمُؤلِّفِ وغَيْرُ ذَلِكَ، وأَرْجُو اللهَ أَنْ أَكُونَ قَدْ وُفِّقْتُ في خِدْمَةِ هَذا الجُزْءَ النَّادِرِ. وللهِ الحَمْدُ أَوَّلا وآخِراً، والصَّلاَةُ عَلَى نَبِيِّنَا الـمُخْتَارِ مُحَمَّدٍ، وآلهِ وَصَحْبهِ السَّادَةِ الأَخْيَارِ، وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً فِي سَائِرِ الأَوْقَاتِ والأَعْصَارِ.