الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
إن علم مُصطلح الحديث؛ علم يعتني بقواعد وأصول، يعرف بها أحوال السند والمتن. ولا شَكَّ أن علم الإسناد هو من مفاخر هذه الأمة وخصائصها؛ يميزها عن سائر الأمم، ليحفظ للناس دينهم. وهو من أهم وسائل حفظ المصدر الثاني من مصدرَي التشريع في الدين الإسلامي من الكذب، والاختلاق، والتحريف، والتبديل. وإن من فضل الله عز وجل على اﻷمة اﻹسلامية، أنه هَيَّأَ لهم علم مصطلح الحديث؛ حتى لا يلتبس عليهم الحديث الصحيح بالضعيف، والثابت من المكذوب، والحق بالباطل، لذلك فهو تمهيد، ومقدمة لجميع العلوم الشرعية، لثبات أصوله ورسوخ قواعده. وإنَّ أول من أفرد التصنيف في علم مصطلح الحديث، وجمع نثار مادته الموزعة في بطون الكتب، هو "الإمام الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خَلَّاد الرَّامَهُرْمُزِي"، في القرن الرابع الهجري، في كتابه "الـمُحَدِّث الفاصل بين الراوي والواعي". ويعتبر هذا الكتاب، هو الكتاب الأُمّ بالنسبة للكتب المؤلفة في هذا العلم، وهو حافل بالفوائد المهمة في هذا العلم، إذ ألَّفه عالم عظيم الشأن من المحدثين المتقدمين.
وقد دَوَّن العلماء علم مصطلح الحديث في تأليفات مستقلة، وبسبب معطيات عصرهم كانوا يكتبونها بخط أيديهم، أو يعتمدون على الكُتّاب. ثم قام النُّسّاخ بنسخ هذا التراث العلمي، ونشره بين المسلمين منذ العصور الأولى بشكل واسع. لذلك وُجِدت نُسَخ خطية متعددة للكتاب نفسه. هذه المؤلفات التي خلفها لنا أسلافنا من علماء الحديث، التي كتبوها بأيديهم تُعْرَف في عصرنا الحاضر بمخطوطات علم الحديث، ولا يخفى على مَنْ له بَاعٌ في هذا العلم مَدَى أهمية تلك المخطوطات، وحاجة الأمة الإسلامية الماسَّة إليها، لأجل إثبات العلوم المختلفة وتوثيقها، إضافة لاعتباراتها التاريخية والتراثية، ومنها علم مصطلح الحديث. ولقد اهتم العلماء بتلك المخطوطات؛ فقاموا بسماعها ونسخها وروايتها وحفظها، لما لها من أهمية بالغة. وهكذا جرى الحال مع بقية علوم الأمة، حيث اشتملت على تدوين علوم الأمة الإسلامية. ونظرًا للحاجة الماسَّة إليها في إثبات هوية الأمة وأصالتها، فإن الحفاظ عليها، والاهتمام بها يُعَدُّ من فروض
الكفاية، لذا وجب على المتخصصين والدارسين والباحثين الراسخين في فنون تحقيق المخطوطات وقواعدها وآدابها؛ العمل الجاد في هذا المجال العلمي والعالمي الواسع.
وقد اعتمد الباحث في دراسته على المنهج التاريخي: لدراسة حياة المؤلف الاجتماعية والعلمية كمدخل لهذه الدراسة. كما اعتمد على المنهج الاستقرائي والوصفي: بتتبع النسخ الخطية الموجودة في مكتبات العالم، ووصف هذه النسخ وصفًا شاملًا وافيًا، والكشف على الجوانب الفنية والعلمية، وبيان المحاسن والمؤاخذ على كل نسخة. ولعدم وقوف كثر من الباحثين والدارسين على حياة المؤلف، والنسخ الخطية للكتاب، وقيمة كل نسخة؛ دعا الباحث لاختيار هذا المخطوط ودراسته دراسة مفصلة، ودراسة موجزة لحياة مؤلفه، موضوعًا لهذا البحث العلمي، وإثراء المكتبة العلمية الإسلامية ببحث جدير بالعناية، مستعينًا بالله عز وجل، وطالبًا منه السداد والتوفيق.